• 2019-10-01

اخترت لكم

نرشف رشفات وبعض الوقفات من كتاب (خلق المسلم) للشيخ محمد الغزالي رحمه الله، والأخلاق بحر واسع، وقد كفانا الشيخ عناء الإبحار والغوص، واستخرج لنا الدر، وما علينا سوى التزين به.
أولًا: باب الصدق:
المشاهد أن الناس يطلقون العنان لأخيلتهم في تلفيق الأضاحيك، ولا يحسون حرجًا في إدارة أحاديث مفتراة على ألسنة خصومهم أو أصدقائهم، ليتندروا بها أو يسخروا منهم، وقد حرم الدين هذا المسلك تحريمًا تامًا. فالمرء قد يستسهل الكذب حين يمزح!! حاسبًا أن مجال اللهو لا حضر فيه على إخبار أو اختلاق.
لكن الإسلام الذي أباح الترويح عن القلوب لم يرض وسيلة لذلك إلا في حدود الصدق المحض، فإن في الحلال مندوحة عن الحرام، وفي الحق غناء عن الباطل. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك منه القوم فيكذب، ويل له، ويل له" الترمذي.
وقال عليه الصلاة والسلام: "أنا زعيم ببيت في وسط الجنة، لمن ترك الكذب وإن كان مازحًا" البيهقي. وقال: "لا يؤمن العبد الإيمان كله حتى يترك الكذب في المزاح والمراء وإن كان صادقًا" أحمد.
ثانيًا: باب الأمانة:
الإسلام يرقب من معتنقه أن يكون ذا ضمير يقظٍ، تُصانُ به حقوقُ اللهِ وحقوقُ الناس، وتحرَسُ به الأعمال من دواعي التفريط والإِهمال. ومن ثمَّ أوجبَ على المسلمِ أن يكون أمينًا. والأمانة في نظر الشارع واسعةُ الدلالة، وهي ترمزُ إلى معانٍ شتى، مناطُها جميعًا شعورُ المرءِ بتبعته في كلِّ أمرٍ يوكَلُ إليه، وإدراكه الجازم بأنه مسؤول عنه أمام ربه على النحو الذي فصَّله الحديث الكريم: "كلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّتِهِ، فالإمامُ راعٍ ومسؤولٌ عن رعيتِه، والرجلُ راعٍ في أهلِه، وهو مسؤولٌ عن رعيتِه، والمرأةُ في بيت زوجها راعيةٌ، وهي مسؤولةٌ عن رعيتها، والخادمُ في مال سيدِه راعٍ، وهو مسؤولٌ عن رعيتهِ" البخاري.
إن الأمانة فضيلة ضخمة، لا يستطيع حملَها الرجالُ المهازيل، وقد ضرب الله المثل لضخامتها، فأبان أنها تثقِلُ كاهلَ الوجود كله، فلا ينبغي للإنسان أن يستهين بها، أو يفرِّطَ في حقها. "إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا"(الأحزاب 72).
والظلمُ والجهلُ آفتان عرضتا للفطرة الأولى، وبُليَ الإنسانُ بجهادهما، فلن يخلص له إيمان، إلا إذا أنقاه من الظلم. "الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ"(الأنعام82). ولن تخلص له تقوى إلا إذا نقّاها من الجهالة: "إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ"(فاطر28).
ثالثًا: الوفاء تأصيلًا:
إذا أبرم المسلم عقدًا فيجب أن يحترمه، وإذا أعطى عهدًا فيجب أن يلتزمه، ومن الإيمان أن يكون المرءُ عند كلمته التي قالها، ينتهي إليها كما ينتهي الماء عند شطآنه، فيُعرَف بين الناس بأنّ كلمتَه مَوثِقٌ غليظ، لا خوفَ من نقضها ولا مطمَعَ في اصطيادها.
العهدُ لا بدّ من الوفاء به، كما أن اليمينَ لا بدّ من البرِّ بها. ومناطُ الوفاءِ والبر أنّ يتعلّق الأمرُ بالحق والخير، وإلا فلا عهدَ في عصيانٍ، ولا يمينَ في مأثمٍ. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمينٍ، فَرَأى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ، وَلْيَفْعَلِ الَّذِي هُوَ خَيْر"(رواه مسلم).
رابعًا: باب سلامة الصدر:
ليس أروحُ للمرء، ولا أطردُ لهمومه، ولا أقرّث لعينه من أن يعيشَ سليمَ القلب، مبرأً من وساوس الضغينة، وثَوَران الأحقاد، إذا رأى نعمةً تنساق إلى أحد رضي بها، وأحسّ فضل الله فيها، وفقر عباده إليها، وذكر قولَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهمَّ ما أصبحَ بي من نعمةٍ أو بأحدٍ من خلقِكَ فمِنكَ وحدَك لاشريكَ لكَ فلكَ الحمدُ ولكَ الشكرُ "(أبوداود). وإذا رأى أذىً يلحقُ أحدًا من خلق الله رثى له، ورجا الله أن يفرِّجَ كربَه، ويغفرَ ذنبه مناشدةَ الرسول صلى الله عليه وسلم ربه: "إن تغفرِ اللَّهمَّ تغفر جَمَّا وأيُّ عبدٍ لَك لما ألَمَّا".
وبذلك يحيا المسلمُ ناصع الصفحة، راضيًا عن الله وعن الحياة، مستريح النفس من نزعات الحقد الأعمى، فإن فسادَ القلب بالضغائن داءٌ عياء، وما أسرع أن يتسرب الإيمان من القلب المغشوش، كما يتسرب السائلُ من الإناء المثلوم!.
ونظرةُ الإسلام إلى القلب خطيرة، فالقلبُ الأسودُ يفسِدُ الأعمال الصالحة، ويطمس بهجتها، ويعكّر صفوها، أما القلب المشرِقُ، فإنَّ الله يبارك في قليله، وهو إليه بكل خيرٍ أسرع. فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي النَّاس أفضل؟ قال: كلُّ مَخْموم القلب، صدوق اللِّسان. قالوا: صدوق اللِّسان نعرفه، فما مَخْموم القلب؟ قال: هو النَّقيُّ التَّقيُّ، لا إثم عليه، ولا بَغْي ولا غلٌّ ولا حسد" (رواه ابن ماجة). ومِن ثمَّ كانت الجماعةُ المسلمةُ حقّاً، هي التي تقومُ على عواطف الحب المشترك، والود الشائع، والتعاون المتبادل.

آخر أخبار أحمد علي العطاوي

  • الصالون الثقافي بفرع جمعية الإصلاح بالحد "مدرسة مستشفى"

    2021-10-15

    الصالون الثقافي من البرامج التي لاقت قبولًا واستحسانًا من أعضاء الفرع أو الضيوف، حيث تنوعت أطروحاته، فشملت نواحي الحياة المختلفة، الشرعية، والإجتماعية، والعلمية، وجوانب ثقافية كثيرة، بطرح وأداء مميز. وفي واحدة من هذه الإطروحات ومن أجمل الليالي الثقاف...

  • اخترت لكم : خواطر في جبر الخواطر

    2020-07-21

    تمر علينا في هذه الدنيا أيام وسنوات، يتقلب فيها المرء، بين فرح وسرور، وظل وحرور، وشوك وزهور، وكلها في فلك حياته تدور، يؤنسه بعضها، ويؤلمه غيرها، ويستظل بظلها، ويكويه حرها.. فيحتاج من يشاركه فرحته، ويؤنس وحشته، فلا أجمل من أخ أو صديق، لطلته بريق، في ح...

  • فلنطمئن

    2020-03-01

    قال الله تعالى: "قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون" (التوبة: 51). أي نحن تحت مشيئة الله تعالى وقدره، وهو ملجؤنا ونحن متوكلون عليه وهو حسبنا ونعم الوكيل (ابن كثير). وفي تفسير السعدي (وعلى الله) وحده (فليتوكل المؤم...

  • ذكريات الماضي: أحاسيس ومشاعر

    2019-12-01

    ها قد طويت من العمر صفحات، وأمست ذكريات، وكلما مر طيفها بمخيلتي، أو شاهدت صورة من ذاك الزمان، عادت بي الذكريات والحنين لتلك الأيام، فأفتح صفحات الماضي فتشعل أحاسيسي ومشاعري. وها هو ذا قلمي يأخذني في رحلة، مستأنسًا بتلك الأحاسيس والمشاعر.

  • اخترت لكم

    2019-06-01

    مع الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله تعالى، بأسلوبه الرائع الراقي، وإرشاداته الظاهرة الباطنة، يوجهنا ويرشدنا إلى الاقتداء والاتباع الحق لرسولنا الكريم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم والتمسك الواضح الصحيح بهذا الدين الذي جاء به من رب العالمين تبارك و...